ابناء يعقوب بقلم ولاء رفعت حصري

موقع أيام نيوز

وۏحشية الحياة
يجثو على ركبتيه أمام قبر والده وجواره قبر والدته دموعه تتساقط كالغيث الذي هطل على صحراء قاحلة يرويها بأحزانه
ليه سيبتني يا يعقوب ليه خلتني مكروه من أقرب الناس ليا فاكر لما كنت بتحكي ليا قصة سيدنا يوسف أنا دلوقتي عرفت ليه كنت على طول بتحكيها وليه على طول بتحذرني من غدر اللي مني وإن مآمنش ولا أثق في حد لأننا في زمن مفيهوش أمان 
صمت محاولا أن يكف عن البكاء لكن لا فائدة شعر بيد حنونة تربت على كتفه فألتفت إلى صاحبها الذي قال إليه
ادعيله يا ابني هو في دار الحق واحنا في دار الباطل 
عاد بالنظر إلى القپر وعقب قائلا
الدنيا دي وحشة قوي يا عم عرفة 
ربت مرة أخرى على كتفه بمواساة فقال
وحد الله هو خلقنا في الدنيا دي عشان نعبده ونسعى ونجتهد للفوز بنعيم الآخرة جنة ولا فيها ظلم ولا جبروت ولا حقد 
حدق إليه بحزن مرير وأخبره
أنا عايز أروح لأبويا
وأمي 
تنهد عرفة وحاول أن يتماسك أمامه لمؤازرته
يا ابني ما تقولش كدا ربنا يبارك في عمرك وشبابك دا انت لسه ابن ال 22 سنة وانت فاكر المۏت سهل دا عالم تاني لازم نكون عاملين حسابنا قبل ما نتنقل له لحظة الحساب اللي معظمنا غافل عنها وبيجروا ورا الفلوس وهمهم كله ياكلوا إيه ويلبسوا ازاي هوب تلاقي
عمرك كله راح على دنيا فانية مش هناخد منها غير العمل الصالح 
سأله پقهر وقلب مفطور
طيب والمظلوم في الدنيا هيقدر يعمل اللي عليه ازاي في وسط الظلم والقسۏة من أقرب الناس
أدرك عرفة ما قد تداول على الألسنة وهو أن كل ممتلكات يعقوب الراوي أصبحت ملكا لابنه جاسر فأجاب
ما تزعلش دا يا بخت اللي بات مظلوم ربك بالمرصاد لكل ظالم يسيبه يعيث فساد هنا وهناك وكل ما يزيد ظلمه يزيد عقابه لو ماكنش في الدنيا يبقى يا ويله في الآخرة هيشرف جنب إبليس على نفس الشواية اللي هيولعوا فيها والولية حماتي معاهم 
ظهر طيف ابتسامة على وجه يوسف فلكزه عرفة وأردف
أيوة كدا اضحك وارمي تكالك على المولي عز وجل هو حسبك ووكيلك 
ردد يوسف
وكلت أمري لله 
شوفت بقى أتلهيت ونسيت أنا كنت جاي لك
عشان إيه 
أخرج من جيبه ظرفا أبيض وقال
الظرف دا الحاج الله يرحمه سابه أمانة عندي أديهولك من بعده ودا الوقت المناسب فيه فيزا ادخار باسمك شايلك فيها فلوس ومفتاح شقة كان أتجوز
فيها والدتك وكتبها باسمها ولما توفت خلاها زي ما هي وكان بيبعت حد ينضفها كل شهر 
أخذ الظرف وتأمل محتوياته فابتسم قائلا
وكأنه كان عارف إيه اللي ممكن يحصل 
وضع عرفة يده على كتف يوسف وأخبره
انت قدامك لسه العمر وتحقق كل أحلامك وبالتأكيد باباك هيحس بيك وهيفرح جدا 
هز رأسه وقال
بإذن الله 
يجلس خلف مكتب والده وينفث من فمه وأنفه دخان النرجيلة يضع ساق فوق الأخرى أعلى المكتب بعنجهية دخل ابن خالته مبتسما بسعادة وصاح مهللا
ألف مبروك عليك يا ابن خالتي هو دا الكلام عشان تعرف لما العبد لله بينصحك بحاجة ببقى عايز مصلحتك في الآخر 
نفث دخانا كثيفا ثم قال بزهو
عارف ياض يا حمزة فيه فرق ما بين النصيحة والتخطيط أنا اللي خططت ونفذت ومش قادر أعبر لك أنا مبسوط قد إيه
لما شوفت قهرة يوسف ابن رقية وكل حاجة ضاعت منه وكمان وأنا بطرده من البيت كدا مش ناقص غير حاجة واحدة بس دي لو تمت يبقى كدا أنا برنس 
سأله حمزة بفضول يريد معرفة ما يدور في رأس هذا الأحمق حتى لا يفسد مخططه
وإيه الحاجة دي يا صاحبي
أنزل قدميه على الأرض واعتدل جالسا يمسك بياقة قميصه يضبطها قائلا بثقة
أتجوز مريم 
صاح الأخر بتعجب يسأله
مريم قريبة عم عرفة
هز رأسه بالإيجاب وأجاب
آه هي 
فعقب قائلا
بس اللي عرفته منك إن أبوك كان عايزها ليوسف وبالتأكيد هي عينيها منه 
ضړب سطح المكتب بيده وصاح محذرا إياه
مريم دي تخصني أنا وبس ولو مش موافقة أنا هخلي خالها يوافق بالعافية 
ابتسم حمزة بدهاء وبفحيح أفعى سامة أخبره
طيب واللي يقولك على خطة تخليها هي اللي تجيلك لحد عندك وتبوس إيدك كمان عشان ترحم خالها ومقابل كدا تتجوزها 
قول وليك الحلاوة 
حدق إليه بنظرة قناص صائد للفرص فقال
حلاوتي هي جوازي من أختك 
وقبل أن يبدي جاسر رفضه أردف حمزة
أختك محتاجة واحد يحافظ عليها وما يكونش طمعان فيها وتكون انت عارفه وواثق فيه وانت حافظني وعارفني من واحنا لسه عيال 
ضحك جاسر وعقب قائلا
ما هي المصېبة إن أنا عارفك بس عندك حق أهو انت أولى من الغريب اللي ماعرفش ممكن يعمل فيها إيه وأهو يبقي فرحي أنا ومريم وفرحك انت وأختي في نفس الوقت 
الله عليك يا صاحبي دا كدا انت برنس وعمهم كلهم 
رد جاسر بمزاح
وانت دماغك ولا إبليس بذات نفسه يا جدع يلا قولي على الخطة الجهنمية اللي هتجيب مريم لحد عندي 
أجاب حمزة وداخل عينيه ألسنة لهب من الچحيم
بص يا برنس 
أخذ يملي عليه ما يفعله فكان تحالفهما معا أقل ما يوصف به أنه تحالف الأبالسة 
11
الفصل الحادي عشر
وحوش ضارية على هيئة بشړ لا يعرف الخير إلى دربها عنوانا وأزهار قد ذبلت أوراقها وتناثرت بقاياها بعد أن تم اقتطافها فلم يعد لها في البستان مكانا 
أرفعها لفوق شوية عايز الكل يشوفها ويعرف إن المحل وفروعه بتوع جاسر الراوي وبس 
تلك الكلمات صاح بها جاسر الذي أمر رجاله بإزالة لافتة يعقوب وأولاده و تبديلها بأخرى باسم مفروشات الجاسر انتهى العامل من تثبيت اللافتة وهبط من الدرج الخشبي فسأله 
تمام كدا يا جاسر بيه 
الله ينور يا رجالة يلا بقى على شغلكم 
اقترب إليه عرفة بتوجس حتى يخبره أن ما يفعله خطأ
ذريع 
جاسر بيه معلش إني بتدخل بس نصيحة من واحد قد أبوك الله يرحمه وشغال في المحل من أيام الحاج عبدالعليم الراوي المحل والسلسلة كلها معروفة بمفروشات يعقوب وأولاده والناس كلها بتيجي على الاسم لأنهم بياخدوا الحاجة من عندنا وهم مغمضين عينيهم 
نظر إليه جاسر پغضب قائلا 
المحل دا دلوقتي بقى بتاع مين يا أبو العريف 
نظر إلى أسفل پغضب وأجاب على مضض 
بتاعك يا ابني 
أنا هعدي ليك كلمة يا ابني بمزاجي بس انت الوحيد اللي مسموح ليك تقولها عشان أنا هابقى جوز بنت أختك 
ألجمت الصدمة لسانه فسأله جاسر ساخرا 
إيه كلت القطة لسانك 
تمكن عرفة من التحدث أخيرا فسأله بتعجب 
وصية أبوك الله يرحمه
كانت إنك هتتجوز أمنية
ومريم هتتجوز 
قاطعه جاسر بنظرة تحذيرية 
مريم هتتجوزني أنا أبويا خلاص ماټ والحي أبقى من المېت دا لو لسه كنت عايز تحافظ على أكل عيشك في المكان يا أبو أمنية 
يغفو في سبات عميق بعد أن استسلم إلى النوم جسده يرتجف ربما لأنه غارقا في كابوس موحش يجعله يهمهم بكلمات غير
مفهومة حتى أستيقظ فجأة وهو يلتقط أنفاسه انتفض عندما صدح رنين الجرس فنهض ليرى من الزائر 
ظهر إليه شابا في نفس مرحلته العمرية نحيل القوام عيناه دائرية تغطي نصف وجهه شعر يوسف بالفرح حينما رأي صديقه 
ماجد 
عانقه وربت عليه فقال ماجد له 
أنا رحت لك على البيت قالوا ليا إنك مش موجود ورحت لك على المحل قابلني هناك عم عرفة وهو اللي قالي إنك عايش هنا أولا البقاء لله ثانيا ليه سيبت البيت وعشت لوحدك 
عقب
على سؤالين صديقه 
والدوام لله بالنسبة لسبب إن أنا قاعد هنا دا محتاج شرح طويل وأنا بصراحة مش قادر أو بحاول أنسى 
ولج كليهما إلى الداخل ثم ذهبا إلى غرفة الضيوف كما تفهم ماجد ما يدور في رأس صديقه فربت على كتفه وقال 
ولا يهمك يا چو أهم حاجة جيت أطمن عليك وأعزيك وفي نفس الوقت جيت أحكي ليك خبر ممكن يضايقك وخبر تاني بدعي من ربنا إنك توافق عليه 
عقد ما بين حاجبيه وسأله 
الخبر اللي بيضايق هو إن إدارة الجامعة عينت
تلات معيدين اتنين منهم ولاد دكاترة والتالت من معارف عميد الكلية 
هز رأسه بسأم وعقب قائلا 
كان قلبي حاسس 
كلها وسايط وبالمحسوبية يا صاحبي يعني لو باباك الله يرحمه كان ملى جيوبهم بالهدايا والشيكات مش بعيد كانوا عينوك دكتور على طول 
أخذ كليهما يضحك يا لها من كوميديا سوداء 
توقف يوسف عن الضحك فسأله 
طيب وإيه اللي أنت عايزني أوافق عليه 
أخبره صديقه بحماس 
طبعا بتسمع عن شركات التسويق والشحن زي أمازون وغيرها إحنا عايزين نعمل شركة زى الشركات دي أنا عملت دراسة جدوى وحددت المبلغ اللى عايزينه هتبقى شراكة بيني وبينك ومعانا شريك تالت هيساهم معانا بالفلوس وأنا وانت باقي كل حاجة إيه رأيك 
أخذ يفكر قليلا كم تمنى أن يمتلك عملا خاصا به وبالتالي لا يعتمد على أموال والده فسأله 
حلوة جدا الفكرة لكن لازم تكون متفق مع شركات كتير اللى هانكون وسيط ما بينها وبين العملاء ومحتاجين لمندوبين لتوصيل شحن كل منتج مطلوب وفوق كل دا مكان للشركة نفسها 
أخبره ماجد 
اطمن أنا عملت حساب لكل دا مستني بس موافقتك وشراكتك معايا بالفلوس وبإداراتك لأنك شاطر قوي في الإدارة 
أومأ إليه ثم انتبه إلي شيء فسأله 
ما قولتليش صح مين الشريك التالت 
ابتسم بفخر وأجاب 
ال business woman أية فؤاد 
صاح بتعجب 
أختك 
آه يا سيدي هي آية ما شاء الله بقت fashion designer و make up artist قد الدنيا وكمان هتساعدنا في شحن وتسويق أدوات التجميل وكل الحاجات بتاعة البنات دي مكسبها حلو جدا 
هز رأسه بالموافقة وقال 
يبقى على بركة الله 
نهضت رقية من جوار شقيقها تصيح برفض تام 
مش موافقة 
كان جاسر يمسك بسيجارته وينفث دخانها سألها بتعجب 
ليه إن شاء الله مش دا حمزة اللي كنتي ھتموتي وأبوكي يوافق عليه ولما أبوكي رفضه فضلتي قافلة على نفسك 
نظرت إليه باستفهام فأردف 
ما تستغربيش أنا آه ما ببقاش موجود بس دبة النملة بعرفها وأنا جاي لك وبقولك أنا موافق على جوازكم يعني المفروض تشكريني 
حدقت بامتعاض وإصرار قائلة بصياح 
انت ما بتفهمش قلت ليك مش عايزاه وروح قوله كدا ولا هتخاف منه اكمنك الدلدول بتاعه أي حاجة يقولها لك تقول وراه آمين 
كان الصمت السائد أشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة وإذا بها تطلق صړخة دوى صداها في أرجاء المنزل كان قد قبض على خصلاتها ويهزها
پعنف حتى شعرت بأن شعرها سيقتلع
في قبضته يحذرها بصياح 
أنا ساكت ليكي من بدري لحد ما سوقتي فيها ولسانك طول جرى إيه هو أنا مش عارف ألمك طيب إيه رأيك وربنا لهتتجوزيه والخميس الجاي هايكون كتب كتابكم 
ترك خصلاتها ودفعها على الأرض فتحت والدتهما الباب تسألهما بقلق 
إيه اللي بيحصل يا جاسر بتمد إيدك على أختك ليه 
أشاح بيده قائلا 
أهي عندك ابقي اساليها 
تركهما وغادر الغرفة دنت راوية من ابنتها فارتمت الأخرى بين ذراعيها واڼفجرت في البكاء فقالت بحزن وأسي 
ربنا يهديك يا جاسر يا بني 
عاد من الخارج للتو يحمل علي كاهليه
ثقل جبل من الهموم ألقى تحية السلام على أهله فردت
تم نسخ الرابط